كل منا لا بد وأن أحب لحظة في حياته.. ربما تكون أيام الطفولة.. وربما تكون في مرحلة المراهقة.. وربما بعد ذلك.. لكن.. هل هناك مراحل أخرى ستكون أسعد لحظات مما توقع.. لندرس أولاً كل مرحلة وبراءتها وسعادتها وشقاءها..
فمرحلة الطفولة - على سبيل المثال - مليئة بالفرحات التي اعتاد الإنسان عليها، كشراء هدية عند النجاح، أو الذهاب إلى الملاهي وقت الأعياد، أو غير ذلك مما يحبه الأطفال، حتى إذا ما كبر شيئاً فشيئاً، ودخل المدرسة، انخرط في تكوين الصداقات ووثــّق حبه للمدرسة، بالتأكيد سيصعب عليه فراق البيت الذي احتضنه ست سنوات، ولكن ما إن يعتاد على ذلك، حتى يحب أصدقاءه، واللهو معهم، والخروج معهم، ومن ثم في آخر سنة من المرحلة الابتدائية، يبدأ شبح الفراق يهدد الصداقات التي لطالما أحاطتها بسمة البراءة، وظللتها غمامة النقاء.. نعم.. ربما يفترقون.. وربما يبقون.. سواءً بقوا أم افترقوا.. لا بد للإنسان حينها أن يعبر عن مشاعره، معتقداً أن ما سيأتي سراب، لن يستحق الفرحة.. لأن أيام الفرحة قد ولـّت.. وسيبقى يحتفظ بتذكارات ذاك اليوم الذي ربما لن يمر التاريخ بمثله.. ولكن عندما يذهب للمرحلة التالية.. قد يستصعب إكمال التأقلم مع الجديد الذي يألفه.. ولا يزال حنينه يطوفه للأيام الماضية.. ولكن.. لا بد من الإكمال.. فلا خيار.. وتدريجياً يتمكن من المواصلة وتحقيق المزيد من العلاقات.. ولكن.. هو الفراق الذي لا يعرف الأصدقاء.. وعندها سيبكي بحرقة؛ لأنه نضج وكبر وفهم معنى أن يفارق الآخر صديقه.. وعندما يرتحل إلى المرحلة التالية.. وهي الثانوية.. سيبقى واقفاً نوعاً ما على الأطلال.. يبكي ويبكي.. ويحدّث الغادي والرائح عن عبير الذكرى.. الذي تناثر في الأجواء.. فيقول.. يا ليتني استطعت عيش تلك الأيام.. لم أتذوق لها طعماً.. وضاعت مني دون علمي.. وتبخرت إلى لا أدري.. ولكنه يستقوي ويتحمل المشاق.. وتبدأ أيامه تبتسم من جديد.. كاتماً أياماً لا تـُنسى.. ولكن الفراق أيضاً لا يراعي هنا مسألة أن فراقاً سيطول.. ودموعاً مسكوبة.. ونار حنين وشوق متأججة.. ولا يزال القطار ينقله من المحطة إلى التالية.. وسيكون الإنسان فرحاً بتخرجه، لأنها الثانوية.. ولكن الفرحة لن تكتمل عندما يعلم أن الفراق يلاحقه.. لا حـُبـّاً في سواد عينيه.. وإنما لأن القـَدَر يكتب هذا وقد اعتدنا.. فبالطبع ودون نقاش.. لن يجد عندها المرء أية كلمة ليعبر بها، أيكتفي بذرف الدموع.. أم يختم كلامه بوصايا ونصائح.. أم يذهب دون وداع.. "فما أصعب الوداع!! وما أصعب الفراق دون وداع!!".. ويمضي به القطار.. حتى إذا ما أوصله الجامعة.. فإنه سينثر النثر.. ويكتب الشـِّعْر.. ليـُظهـِر عظمة الأيام التي عاشها بأحاسيسه وكل كيانه.. وكلما ذكر الماضي ازداد شوقه للعودة إليه.. ولكن في كل مرة لا يعرف أنه فرّط فيه.. وتمر الأيام الجامعية.. بالضحكات والآهات.. والمتاعب والنجاح.. بالأفراح والأتراح.. بكل ما تحمله.. وأيضاً لا تكون في قبضته.. فيتخرج والجميع مسرور.. ولكنه علم أيضاً أنها لا تـُنسى.. عاشها وكأنه في حلم.. تخطاها وكأنه لم يفعل.. كلـّف نفسه بذكريات الماضي فقط.. وما علم أن الجامعة سترحل.. وستكون يوماً من الماضي.. ولكنه الفراق إذا حلّ.. وهذه هي نواميس الكون.. فلكل مرحلة لون يميزها.. حتى إذا توظـّف وتزوج وأنجب.. كان فرحه لا يسع الدنيا.. وفي المقابل.. يجلس على مكتبه يتذكر حنين صفحات طـُوِيَت.. وذكريات أُكـِلـَت.. ودموع جـُفـِّفـَت.. ويبقى صامتاً.. شارد الذهن.. يفكر.. يتمنى - فقط - أن يعود لأيام اللعب والبراءة..
ولكن!!
هل إذا زاره ملك الموت سيتمنى العودة إلى الدنيا.. كما كان يتمنى من قبل.. لقد تمنى كل شيء في الدنيا.. هل إذا مات سيستطيع أن يطلق العنان لقلمه ويخبر من بقي على وجه الأرض أنه حقاً يتمنى العودة إلى الحياة الدنيا.. أم سيمحو كل ما كتب في الدنيا.. وينساها أمام فرحته الكبرى عند دخوله جنة عرضها عرض السماء والأرض.. والسؤال الأهم.. هل سيمهله ملـَك الموت مهلة.. يستطعم معها ألم الفراق ولذة الاشتياق.. أم..... سوى ذلك..
إخوتي / أخواتي.. كلٌ منا له مصيره.. إما إلى جنة وإما إلى نار.. فبما أنك لا زلت تقرأ هذه السطور.. ففي العمر بقية ولله الحمد.. فاكتب الحياة التي ترتضيها لنفسك.. فأنت وحدك من يرسم درب عمره.. ويخطّ كتابه.. ويفعل لأجل مستقبله الأخروي.. فالموت هو الفراق الحق.. وليس فقط عندما تفارق أصدقاءك.. فعلى العكس تماماً.. يمكنك لقاؤهم في الجنان إذا اجتهدت في تلك الحياة وأصبت.. فالفراق عندما تسافر بقطار لا تعرفه.. إلى مصير مجهول.. ومنزل لم تعهده من قبل.. وعالم غريب الأطوار لم يسبق لك أن رأيته.. وما أُمهـِلـْتَ الفرصة كي تتعرف عليه.. فكيف ستكون سمعتك في هذا العالم.. فإذا خفتَ على عـِرضك في الدنيا.. فاخـْشَ فضيحتك في اليوم الأكبر.. فالفراق الحق هو الفراق بين الجسد والروح
فمرحلة الطفولة - على سبيل المثال - مليئة بالفرحات التي اعتاد الإنسان عليها، كشراء هدية عند النجاح، أو الذهاب إلى الملاهي وقت الأعياد، أو غير ذلك مما يحبه الأطفال، حتى إذا ما كبر شيئاً فشيئاً، ودخل المدرسة، انخرط في تكوين الصداقات ووثــّق حبه للمدرسة، بالتأكيد سيصعب عليه فراق البيت الذي احتضنه ست سنوات، ولكن ما إن يعتاد على ذلك، حتى يحب أصدقاءه، واللهو معهم، والخروج معهم، ومن ثم في آخر سنة من المرحلة الابتدائية، يبدأ شبح الفراق يهدد الصداقات التي لطالما أحاطتها بسمة البراءة، وظللتها غمامة النقاء.. نعم.. ربما يفترقون.. وربما يبقون.. سواءً بقوا أم افترقوا.. لا بد للإنسان حينها أن يعبر عن مشاعره، معتقداً أن ما سيأتي سراب، لن يستحق الفرحة.. لأن أيام الفرحة قد ولـّت.. وسيبقى يحتفظ بتذكارات ذاك اليوم الذي ربما لن يمر التاريخ بمثله.. ولكن عندما يذهب للمرحلة التالية.. قد يستصعب إكمال التأقلم مع الجديد الذي يألفه.. ولا يزال حنينه يطوفه للأيام الماضية.. ولكن.. لا بد من الإكمال.. فلا خيار.. وتدريجياً يتمكن من المواصلة وتحقيق المزيد من العلاقات.. ولكن.. هو الفراق الذي لا يعرف الأصدقاء.. وعندها سيبكي بحرقة؛ لأنه نضج وكبر وفهم معنى أن يفارق الآخر صديقه.. وعندما يرتحل إلى المرحلة التالية.. وهي الثانوية.. سيبقى واقفاً نوعاً ما على الأطلال.. يبكي ويبكي.. ويحدّث الغادي والرائح عن عبير الذكرى.. الذي تناثر في الأجواء.. فيقول.. يا ليتني استطعت عيش تلك الأيام.. لم أتذوق لها طعماً.. وضاعت مني دون علمي.. وتبخرت إلى لا أدري.. ولكنه يستقوي ويتحمل المشاق.. وتبدأ أيامه تبتسم من جديد.. كاتماً أياماً لا تـُنسى.. ولكن الفراق أيضاً لا يراعي هنا مسألة أن فراقاً سيطول.. ودموعاً مسكوبة.. ونار حنين وشوق متأججة.. ولا يزال القطار ينقله من المحطة إلى التالية.. وسيكون الإنسان فرحاً بتخرجه، لأنها الثانوية.. ولكن الفرحة لن تكتمل عندما يعلم أن الفراق يلاحقه.. لا حـُبـّاً في سواد عينيه.. وإنما لأن القـَدَر يكتب هذا وقد اعتدنا.. فبالطبع ودون نقاش.. لن يجد عندها المرء أية كلمة ليعبر بها، أيكتفي بذرف الدموع.. أم يختم كلامه بوصايا ونصائح.. أم يذهب دون وداع.. "فما أصعب الوداع!! وما أصعب الفراق دون وداع!!".. ويمضي به القطار.. حتى إذا ما أوصله الجامعة.. فإنه سينثر النثر.. ويكتب الشـِّعْر.. ليـُظهـِر عظمة الأيام التي عاشها بأحاسيسه وكل كيانه.. وكلما ذكر الماضي ازداد شوقه للعودة إليه.. ولكن في كل مرة لا يعرف أنه فرّط فيه.. وتمر الأيام الجامعية.. بالضحكات والآهات.. والمتاعب والنجاح.. بالأفراح والأتراح.. بكل ما تحمله.. وأيضاً لا تكون في قبضته.. فيتخرج والجميع مسرور.. ولكنه علم أيضاً أنها لا تـُنسى.. عاشها وكأنه في حلم.. تخطاها وكأنه لم يفعل.. كلـّف نفسه بذكريات الماضي فقط.. وما علم أن الجامعة سترحل.. وستكون يوماً من الماضي.. ولكنه الفراق إذا حلّ.. وهذه هي نواميس الكون.. فلكل مرحلة لون يميزها.. حتى إذا توظـّف وتزوج وأنجب.. كان فرحه لا يسع الدنيا.. وفي المقابل.. يجلس على مكتبه يتذكر حنين صفحات طـُوِيَت.. وذكريات أُكـِلـَت.. ودموع جـُفـِّفـَت.. ويبقى صامتاً.. شارد الذهن.. يفكر.. يتمنى - فقط - أن يعود لأيام اللعب والبراءة..
ولكن!!
هل إذا زاره ملك الموت سيتمنى العودة إلى الدنيا.. كما كان يتمنى من قبل.. لقد تمنى كل شيء في الدنيا.. هل إذا مات سيستطيع أن يطلق العنان لقلمه ويخبر من بقي على وجه الأرض أنه حقاً يتمنى العودة إلى الحياة الدنيا.. أم سيمحو كل ما كتب في الدنيا.. وينساها أمام فرحته الكبرى عند دخوله جنة عرضها عرض السماء والأرض.. والسؤال الأهم.. هل سيمهله ملـَك الموت مهلة.. يستطعم معها ألم الفراق ولذة الاشتياق.. أم..... سوى ذلك..
إخوتي / أخواتي.. كلٌ منا له مصيره.. إما إلى جنة وإما إلى نار.. فبما أنك لا زلت تقرأ هذه السطور.. ففي العمر بقية ولله الحمد.. فاكتب الحياة التي ترتضيها لنفسك.. فأنت وحدك من يرسم درب عمره.. ويخطّ كتابه.. ويفعل لأجل مستقبله الأخروي.. فالموت هو الفراق الحق.. وليس فقط عندما تفارق أصدقاءك.. فعلى العكس تماماً.. يمكنك لقاؤهم في الجنان إذا اجتهدت في تلك الحياة وأصبت.. فالفراق عندما تسافر بقطار لا تعرفه.. إلى مصير مجهول.. ومنزل لم تعهده من قبل.. وعالم غريب الأطوار لم يسبق لك أن رأيته.. وما أُمهـِلـْتَ الفرصة كي تتعرف عليه.. فكيف ستكون سمعتك في هذا العالم.. فإذا خفتَ على عـِرضك في الدنيا.. فاخـْشَ فضيحتك في اليوم الأكبر.. فالفراق الحق هو الفراق بين الجسد والروح